Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124
Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124
سبع خطوات شرعية لنهوض الأمة وعزتها
د. أغوس حسن بصري السَّنُوِيّ
إن هذا القرآن أنزله الله تعالى برهانا وفرقانا ونورا وهدى وذكرى وشفاء ورحمة للمؤمنين، بل وللعالمين. إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. ومن هدي القرآن إرشاده المسلمين وتأهيلهم ليكونوا أمة وسطا، أمة قائمة بالقسط، وحاكمة بالعدل. وقد حقق أول هذه الأمة بهذا القرآن هذه الغاية السامية فأصبحوا خير أمة أخرجت للناس، فلا يعرف لها مثيل في تاريخ البشرية. ولذلك نحن اليوم في أمس الحاجة إلى هدي القرآن كما قال إمام دار الهجرة: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.1
قد بين الشيخ أسامة علي محمد سليمان: أن المجتمع اليوم يقف على حافة الهاوية، … تتجاذبه عدة قوى: القوة الأولى: علمانية عفنة ملكت وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمرئية، ترى أنه لا داعي أبداً للتمسك بمبادئ الأخلاق والدين والقيم؛ لأنها من ركام الماضي عفا عليها الزمان، ولا بد من تبادل العشيقات وإهدار مبدأ تعدد الزوجات ومتابعة ركب الحضارات. القوة الثانية: قوة تدّعي أن حضارة الغرب هي التي تملك الإنقاذ، وهي التي بيدها مفاتيح التقدّم والرقي. القوة الثالثة: قوة سلبية لا هم لها إلا الدنيا، تجمع المال ولا يعنيها أمر الدين من بعيد أو قريب. القوة الرابعة: قوة مستضعفة تدعو الناس إلى دين ربهم، وتدعوهم إلى التمسك بأخلاق دينهم الحنيف2.
فهذه قوى متعددة تتجاذب المجتمع من جميع نواحيه، ولكن لا بد أن نعلم أن النصر والتمكين لعباد الله الموحدين؛ المتمسكين بهديه والمقتدين برسوله والصابرين في سبيله، لأن الله سبحانه يقول: “وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ” (الصافات:173)؛ ويقول سبحانه: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ” (غافر:51).
لقد قرر ونبه كثير من العلماء منهم الشيخ عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر حين قال: “فلا يمكن للمتأخرين أن يصلحوا بطريقة لم يصلح بها الأولون، بل الذي صلح به الصحابة هو الذي يصلح به من بعد الصحابة، قال الله عز وجل: “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ” (الأنعام:153) وقال صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قيل: من هي يا رسول الله؟! قال: الجماعة) وفي لفظ: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي).3
ولذلك نقدم في هذه المقالة شيئا من هدي القرآن الكريم لأجل النهوض بالأمة للعودة إلى الحياة العزيزة الكريمة من خلال سبع خطوات شرعية للراعي والرعية. هذه الخطوات، خمسة منها مأخوذة من قول الله تعالى: “وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (هود: 61) وخطوة سادسة مأخوذة من قول الله: ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا” (آل عمران: 103). وخطوة سابعة مأخوذة من قول الله: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (الأنبياء: 35)
هاهي سبع خطوات شرعية لازمة لإعادة المجد والعزة والتمكين:
توحيد الله
“ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ “.
إن المتبصر في تاريخ الأمة الإسلامية؛ ليرى أن عزتها وعلوها وغلبتها ودينونة الأمم لها مرتبطة بصفاء عقيدتها، وصدق توجهها إلى الله، واتباعها لأثر النبي– صلى الله عليه وسلم– وسيرها على منهج السلف الصالح، واجتماعها على أئمتها، وعدم منازعتهم في ذلك، وأن ذلها وضعفها وانخذالها، وتسلط الأمم عليها مرتبط بانتشار البدع والمحدثات في الدين، واتخاذ الأنداد والشركاء مع الله، وظهور الفرق الضالة، ونزع يد الطاعة، والخروج على الأئمة.
إن الانحرافات العقدية، والحيدة عن منهج السلف الصالح، والانخداع بزخرف قول أرباب المذاهب المنحرفة هو الذي فرق الأمة، وأضعف قوتها، وكسر شوكتها، والواقع شاهد على ذلك، ولا مخرج لها من ذلك إلا بالرجوع إلى ما كان عليه النبي– صلى الله عليه وسلم– وأصحابه وأئمة الهدى4، من التوحيد الصافي والعبودية الخالصة لله.
ولذلك جعل الله التوحيد أولى الخطوات لكل من يدعو إليه. قال الله تعالى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61 هود )
والإله هو كل معبود حقا أو باطلا، والحق هو الله وحده وما سواه هو الباطل “ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ” (لقمان: 30)
هذا التوحيد في ربوبية الله وألوهيته5 لا بد أن يكون راسخا ثابتا في النفس تنبعث منه صفة التقوى والشجاعة والرحمة، و تظهر عليه طبيعة الصلاح والإصلاح. فالمؤمن الموحد له العزة والشدة وله الرحمة والسماحة في حمل الرسالة، قال الله تعالى في سورة الزمر:
قُلْ يَا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15)
عمارة الأرض
“هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا“.
فالمؤمن الموحد هو عامر المسجد وعامر الأرض معا. فالأمة الإسلامية مأمورون بتعمير المساجد وبتعمير الأرض. فلا يجوزوا لهم أن يتخلوا عن هذه الوظيفة بشقيها: العبودية والقيادية. هذه الأرض لا بد أن تعمر بما يرضي الله وبما ينفع عباد الله. هذا هو الإحسان:
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف56)
لقد أكد النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الوظيفة بقوله: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ،… َ» (رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ)
فالضابط في عمارة الأرض هو كل ما يرضي الله وينفع العباد من علم وتفكير وبحث وخدمة وإمساك عن الفساد والإفساد من المعصية والظلم والطغيان والإسراف والبخل والكسل وعدم الحسبة. قال الله تعالى عن جيل عمار المساجد والأرض معا:
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ {36} رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ {37}
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشجعا أمته ليكونوا عمارا للأرض:” مَا مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْسًا أو يَزرَعُ زَرْعًا فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَةٌ “. (رواه النسائي عن أنس رضي الله عنه)
وفي روايةِ مُسلمٍ : مَا مِن مُسلمٍ يَغرِسُ غَرْسًا إلا كان ما أُكِلَ منهُ لهُ صَدَقةٌ وما سُرِقَ مِنهُ لهُ صَدَقةٌ وما أَكَلَ السّبُعُ فهوَ له صدَقةٌ وما أَكلَتِ الطّيرُ فهوَ له صدَقةٌ ولا يَرْزَؤه أحدٌ إلا كانَ لهُ صَدقةٌ. وقوله صلى الله عليه وسلم: ولا يَرْزَؤه أي يَنقُصُه ويَأخُذُ مِنه.
وفي رواية: لا يَغْرِسُ مسلِمٌ غَرْسا ولا يَزْرَع زَرْعا فيَأكُل منه طَيْر أو إنسانٌ ولا دابّةٌ ولا شىء ٌإلا كانت له صدقةٌ “
وفي رواية: إلا كانَ لهُ صَدَقةٌ إلى يومِ القِيامةِ“
قال النّوويُّ في شرح مسلم في هذه الأحاديثِ فَضِيلةُ الغَرْسِ وفضِيلةُ الزَّرْعِ وأنّ أجْرَ فَاعِلِي ذلكَ مُستَمِرٌّ ما دامَ الغَرْسُ والزّرْعُ وما توَلّدَ منهُ إلى يومِ القيامةِ.
روايةُ أحمدَ : ما مِن رجلٍ يَغرِسُ غَرسًا إلا كتَبَ اللهُ لهُ منَ الأجْرِ قَدْرَ ما يَخْرُج مِنْ ثَمَر ذلكَ الغَرْسِ.
قال المُناوي: مُقتضَاه أنّ أجْرَ ذلك يَستَمِرّ ما دام الغَرْسُ مأكولا منه ولو ماتَ غَارِسُه.
ونَقلَ الطِّيْبِيُّ عن مُحي السُّنّةِ ِأنّ رجُلا مَرّ بأبي الدّرداءِ وهو يَغرِسُ جَوْزَةً فقال أتَغْرِسُ هذِه وأنتَ شَيخٌ كبيرٌ وهذهِ لا تطعَمُ إلا في كَذا وكذا عامًا ، فقال ما عليَّ أن يكونَ لي أجرُها ويَأكُلُ منها غيْرِي!!
وفي عُمدة القَارِي شرحِ صحيح البخاريّ وأمّا حديث أبي الدرداء فرواه أحمد في مسنده عنه أنّ رجلا مرّ به وهوَ يَغرِسُ غَرْسًا بدمشقَ فقالَ أتَفعَلُ هذا وأنتَ صَاحبُ رسولِ الله، فقالَ لا تعْجَلْ عليّ سمعتُ رسول الله يقول:” مَنْ غرَسَ غَرْسا لم يأكلْ منه ءادميّ ولا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله إلا كان لهُ به صدقةٌ“
لقد حوى هذا الحديث فوائد كثيرة لا تقل عن 36 فائدة، منها:
– إنَّ غرس الشجر ليس من العبث، واللهو، وإنَّما فيه أجر وثواب من الله.
– الترغيب العظيم على اغتنام فرصة وجود الإنسان في هذه الحياة.
– الترغيب في زرع ما ينتفع به الناس بعد الموت؛ ليجري أجره للإنسان، وتُكتب له صدقته إلى يوم القيامة.
– على المسلم ألاَّ يتوانى في عمل الخير.
– على المسلم أن يكون إيجابيا، منتجا، وفاعلا في حياته، ومجتمعه.
– الثواب المترتب على أفعال البر في الآخرة يختص بالمسلم دون الكافر.
الحث على غرس الأشجار والنخيل، ففي ذلك خير كثير، ولتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعلوم عند خالقها.
الخضرة والنبات من نخيل وشجر منظر ترتاح له النفس، ويبتهج له الفؤاد.
بيان أهمية نوع من أنواع العمل، وهو استنبات الأرض وزراعتها والتشجير فيها.
إن منزلة هذا النوع من العمل تتضح لنا بصورة رائعة وعظيمة حين نعلم أن مثوبة الزرع أو الغرس ممتدة إلى ما بعد الموت، وصدقة جارية إلى يوم القيامة.
فوائد غرس الأشجار غير ماذكر كثيرة منها:أنّه مصدر غذاء للكائنات، وتصفية للهواء، وامتصاص الملوثات، وفيه ترسيب للتربة، وتزويد الهواء بالأوكسجين، وصدّ سرعة الرياح، وحفظ رطوبة الجو، والقضاء على بعض الجراثيم.
عناية النبي – صلى الله عليه وسلم – بالبيئة، وهذا الحديث أصلٌ في الاهتمام بالنبات.
فرّق النبي – صلى الله عليه وسلم – بين الغرس، والزرع، فالغرس معناه: تثبيت الشجرة، أو الأعواد في الأرض، بينما الزرع: بذر الحبوب في الأرض.6
لذلك نهى نبي الإسلام عن قطع شجرة سدرة في الحرم وكذلك شجرة لها نفع عظيم للكائنات حيث قال: «مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ» سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: «هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ، يَعْنِي مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ، وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا، وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ. (رواه أبو داود عن عبد الله حبشي)
من هنا قال الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء:
“وبلغ اهتمام الإسلام بالشجرة حدا لا يعرف له مثيل في شريعة سابقة ، ولا في قانون وضعي وحسبنا أن نعلم أن الخلفاء وهم أعلى سلطة في الدولة الإسلامية ، كانوا يوصون أمراء الأجناد والجيوش عندما يبعثونهم للقتال بالمحافظة على الشجرة وخاصة الشجرة المثمرة ، مثلما يأمرونهم بالمحافظة على أرواح الأبرياء ممن لا علم لهم بالحرب ولم يشاركوا فيها: ” لا تعقرن نخلا ولا تحرقنها ولا تعقروا البهيمة، ولا شجرة ثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء” ومن المعلوم أن الوصية في مثل هذا الموطن إنما تكون بالأمور الهامة التي تعتبر من مواد الدستور العام، وبالأمور التي تحقق عوامل النصر على أعداء الله .
ومن إرشادات النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب: إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا. (رواه أحمد عن أنس بإسناد صحيح)
ففي هذا الحديث حث على غرس الأشجار المثمرة عامة وإن كان المذكور فيه النخل .كـما أنه يشـير إلى ضرورة العناية بالزراعة والعمل في الأرض، وأنه لا ينبغي أن ينقطع العمل في إعمار الأرض، والإفادة من خيراتها.
والعمل في الأرض لا ينبغي أن ينقطع لحظة بسبب اليأس من النتيجة فحتى حـين تكون القيامة بعد لحظة، حين تنقطع الحياة الدنيا كلها. حتى عندئذ لا يكف الناس عن العمل، وعن التطلع إلى المستقبل، ومن كان في يده فسيلة فليغرسها. وروى البخاري في كتاب الأدب المفرد عن داود بن أبي داود الأنصاري قال : قال لي عبد الله بن سلام: إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية – أي فسيلة – تغرسها فلا تعجل أن تصلحه ، فإن للناس بعد ذلك عيشا .
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: أعزم عليك أن تغرس أرضك فقال أبي: أنا شيخ كبير أموت غدا. فقال عمر: أعزم عليك لتغرسنها ، فلقد رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغرسها بيده مع أبي.
ولعل مما يشير إلى استحباب تكثير الشجر ما جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له أن يشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة.
أيها المؤمن الموحد كن أنت الشخص الذي عندما يراه الناس يقولون: مازلت الدنيا بخير.