التربية الاسلامية المنشودة

أبو حمزة أغوس حسن بصري 1

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات وبفضله تنزل الرحمات بردا وسلاما على المخلصين والمخلصات من أمة خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام.

الحمد لله الذى خلق الإنسان وعلمه البيان , والصلاة والسلام على من علمه ربه مالم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما وبعد

فما أحوجنا فى عصر فشت فيه الموبقات وطغت فيه الظلمات , وتخلخلت فيه الموازين وتزلزلت فيه أقدام الثابتين, يصبح والعياذ با الله مؤمنا ويمسى كافرا, ما أحوجنا الى من يأخذ بأيدى الأمة والشباب فيرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وعزتهم , وثباتهم وهو الصراط المستقيم ليصبحوا أئمة المتقين . هداة المهتدين قادة المجاهدين.

فإن العمل التربوى – على اختلاف مستوياته فريضة دينية, وضرورت انسانية ومسؤولية اجتماعية. إن التربية وسيلة لنقل الاحكام الشرعية من الحيز النظرى الى العمل والتطبيق. ويكفى فى بيان علو منزلة التربية وصف الله سبحانه لتبيه  بأنه مرب فقال : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (الجمعة : 2).

فبالدعوة والتربية استطاع الرسول أنه يكون من عرب الجزيرة أمة تحمل رسالة وتنشىء حضارة وتصنع تاريخا كأنه ضرب من الأساطير.

وكيف خلقت رسالة الإسلام من الفرقة وحدة, ومن الضعف قوة ومن الأمية علما ومن البداوة حضارة ومن الحفاة العراة خير أمة أخرجت للناس؟

ذلك سر القران وعمل منهجه التربوى فى تقويم اتفوس والأمم وأثر تطبيقه فى الجماعة والدولة.

والجهد التربوى جهد لا يطيقه أى إنسان بل هو جهد فى غاية الصعوية والمشقة انه تعامل مع عالم الانسان هذا العالم الغريب الذى يحوى عديدا من المتغيرات وتؤتر فيه كثير من العوامل والمؤثرات.

ومع ذلك كله يزداد الأمر صعوبة والمشقة حين يكون فى محتمع تتجه معطم وسائل التأثير فيه اتجاها مضادا لما يريد المربى: فالشارع والسوق وزملاء المدرسة, و وسائل الاعلام وربما المنزل والمدرسة تربى الشباب والفتة اليوم على خلاف المنهج الشرعى.

من هذا المنطلق كان للكاتب عناية ببعض الموضوعات الأساسية, شعورا منه بأهمية هذا الأمر ومسيس الحاجة إليه, وتحريكا مشاعر القراء ليساهموا فى هذا المشروع العظيم.

مفهوم التربية الاسلامية

كلمة التربية تعود إلى أصول ثلاثة هى: َربَا – وَرَبِيَ – و َربَ

  1. ربا , يربو: بمعنى تما, ينمو
  2. ربي , يربى: بمعنى نشأ وتَرَعْرَعَ
  3. رب, يُرُبُّ: بمعنى أصلحه وتولى أمره, وساسه, وقام عليه ودعه

التربية تفعلة من ربا: “إذا زاد ونما فهى تعهد الشى, ورعايته بالزيادة والتنمية والتقوية, والأخذ به فى طريق النضبح والكمال الذى تؤهله له طبيعته“.

لتوضيع هذا المعنى نورد ثلاثة تعرفات للتربية الاسلامية عند علماء التربية الاسلامية:

  • تعريف الدكتور على عبد الحليم محمود:

التربية الاسلامية هى تلك العملية التعليمية التربوية المتجهة من الكبار إلى الصغار, بقصد تنشئتهم تنشئة حسنه, تحقق لهم إنسانيتهم التى كرمهم الله سبحانه بها, حسب مراحل نموهم, فى ظل مدرسة إسلامية فى معلميها وكتبها ووسا ئلها ومنهجها, ومبانيها ومعانها, ليشبوا على الإيمان بالله وباليوم الاخر والملائكة والكتب والرسل والقضاء والقدر. وما يستوجيه هذا الإيمان من عمل صالح, وتقيد بمنهج الله تعالى فى العبادات والمعاملات والأخلاق ليستطيعوا بذلك تحقيق سعادة المعاش والمعاد.”

  • تعريف الدكتور مقداد يالجن:

التربية الاسلامية هى: تنشئة وتكوين إنسان مسلم متكامل من حميع نواحيه المختلفة من الناحية الصحية والفعلية والإعتقادية والروحية والأخلاقية والإرادية والإبداعية فى جميع مراحل نموه فى ضوء المبادىء والقيم التى أتى بها الإسلام وفى ضوء أساليب وطرق التربية التى بينها.”

وبتعريف مختصر هي إعداد المسلم إعداد كاملا من جميع النواحى فى جميع مراحل نموه للحياة الدنيا والأخرة فى ضوء المبادىء والقيم وفى ضوء أساليب وطرق التربية التى جاء بها الإسلام.”

  • تعريف الدكتور محمد السيد نوح:

التربية هى العمل بمختلف الأساليب والوسائل التى لاتتعارض مع شرعة الإسلام على رعاية الإنسان وتعهده حتى يصير سيدا فى هذه الأرض سيادة محكومة بالعبودية التامة لله رب العالمين.”

هذا كله يجعلنا نقف بجلاء ووضوح على حقيقة التربية وأثارها وإن ذلك ينتظمه ثلاثة أصول:

الأول: إن التربية يجب ان تركز على بعث عقيدة التوحيد وتطهير حياة الأمة من البدع والانحرافات كمقدمة لتأهيل الأمة لحمل الإسلام مرة ثانية.

الثانى : إن مقياس التربية الإسلامية هو قيامها على أصول مستمدة من القران والسنة, وانسجامها مع تطبيقات السلف, وإعادة توصيل المتعلم بالقران والسنة مع الاسترشاد التام بفهم السلف الصالح باعتبار أنه الأساس فى هذا الباب والاستعانه بعلم العلماء الربانيين المتأصلين فى معرفة الكتاب والسنة.

الثالث : إن التربية لايمكن فصلها عن التوجيه العام للمجتمع, وهو ترتبط بالحياة اليومية وما يتفاعل خلالها من المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والممارسات الإدارية والسياساة والاجتماعية وغير ذلك.

مصادر التربية الاسلامية ومراجعها

مصادر التربية الإسلامية هي : النصوص الإسلامية التى يستعين بها علماء التربية المسلمون , ويستمدون منها الأسس التى تقوم عليها العملية التربوية فى مختلف ميادينها .

* وهذه المصادر هي :

  • القرآن الكريم – وهو حافل بالقيم التربوية , بل لا أبالغ إن قلت : إن كل سورة من سوره الكريمة لاتخلو من قيمة تربوية أو أكثر , ولا عجب فى ذلك فهو هدى للناس .
  • والسنة النبوية المطهرة فى كتبها الموثقة كالصحاح والسنن والمسانيد , فهى حافلة بالقيم التربوية إذ هى شرح وتفصيل للقرآن الكريم :
  • والسيرة النبوية المطهرة إذ هي السنة العملية , إذا اعتبرنا الأحاديث النبوية هى السنة النظرية.
  • وتاريخ الصحابة رضوان الله عليهم وخصوصا مشاهيرهم , وما تضمنه تاريخهم من قيم تربوية , فهم ألصق الناس برسول الله صل الله عليه وسلم وأعرفهم بهديه وأصدقهم فى النقل عنه .

وأما مراجع التربية الإسلامية , وهى ماكتبه علماء المسلمين عن التربية الإسلامية , فأكثر من أن تحصى فى هذه الصفحات , لكننا نشير منها إلى مانرى فيه مقنعا وكفاية فيما يلى :

* مراجع التربية الإسلامية :

  • تاريخ التابعين وتابعيهم , وما فى هذا التاريخ من قيم تربوية
  • جهود علماء التربية من المسلمين وما وصلوا إليه من حقائق ونظريات تربوية ومعارف لها وزنها وأهميتها , ومن أشهر هؤلاء العلماء :

1 – محمد بن سحنون (256 هـ)

وله كتاب صغير الحجم هو (( آداب المعلمين )) دونه عن أبيه .

2 – وابن القابسى على بن محمد (324 – 403 هـ)

وله : الرسالة المفصلة لأحوال المعلمين والمتعلمين .

3 – ومسكويه أحمد بي محمد (421 هـ)

وله : تهذيب الأخلاق وتطيهر الأعراق

4 – ابن عبد البر القرطبى (463 هـ)

وله : جامع بيان العلم وفضله

5 – وبرهان الدين الزرنوجى (571-640 هـ)

وله : تعليم المتعلم طريق التعلم

6– وعبد الرحمن بن خلدون (732-808 هـ)

وله : المقدمة وفيها الكثير عن التعليم والتعلم

7 – وأبو يحيى زكريا الأنصارى (823-916 هـ)

وله : اللؤلؤ النظيم فى روم التعلم والتعليم

8 – وأحمد بن محمد بن حجر الهيتمى (909-974 هـ)

وله : تحرير المقال فى آداب وأحكام يحتاج إليها مؤدبون الأطفال

9 – وبدر الدين العاملى (933 هـ)

وله : كتاب الكشكول والمخلاة , أودعهما كثيرا من المعلومات التربيوة .

وكتاب أدب المفيد والمستفيد

  • وجهود علماء التربية الإسلامية المعاصرين الذين حصلوا على درجات علمية فى التربية الإسلامية ومايتصل بها وهم كثير فى الجامعات الصرية وبعض الجامعات العربية.
  • وجوهد المصلحين من المسلمين , ومااشتملت عليه من إسهامات تربوية .

منهج التربوية الاسلامية

للتربية الإسلامية منهج يخصها, بل تنفرد به عمن سواه من أنواع التربية, وهذا التفرد نابع من هذا المنهج مأخوذ من الكتاب والسنة, وليس من سواهما من المناهج تشاركها فى ذلك.

هذا المنهج المتفرد لابد أن تكون له صفات أخرى تجعله على هذا المستوى من التفرد, وتلك الصفات فيما أتصور كثيرة أذكر منها ما يلى:

  • أنه منهج متكامل بمعنى أن بعضه لا يغنى عن بعض, وأنه قادر على بناء الأنسان المسلم, طالما أخذ به كله دون إهمال لشيءمنه.
  • وأنه منهج يريى الإنسان الصالح للمتعامل مع الحياة الدنيا ومع الحياة الأخرة.
  • وأنه منهج شامل يعترف بكل الطاقات التى فى الإنسان: الروحية ةالعقلية والبدنية, ويعمل على الاستجابة لحاجاتها فى إطار شرعية جاء بها الإسلام.
  • وأنه منهج قابل للتطبيق بمعنى أنه ليس ممعنا فى المثالية التى تعجز الإنسان عن اللحاق بها أو تطبيقها.
  • وأنه منهج عملى لم يكتف بوضع النظرية, يتجاهل ظروف تطبيقها وملابساته.
  • وأنه منهج مستمر ليس مؤقتنا ولامرحليا, ولايناسب زمانا دون زمان ولامكانا دون مكانا, وإنما هو صالح للبشرية كلها, ومستمر معها إلى أن يقوم الناس لرب العالمين.
  • وأنه منهج يستوعب كل المستجدات فى حياة الناس, ويفتح أمام المتربى عليه باب العلم والإبداع والكشف عن حقائق الكون إلى غير ماحد, أو إلى الحد الذى تطيقه قدرة الإنسان وطاقته وأنه يسخر هذا العلم لصالح كل الناس.

وإذا كان المنهج هو الطريق والخطة المرسومة, فإن المتربية الإسلامية طريقا واضحة بينة المعالم والحدود, معروفة الأهداف والوسائل تربى الإنسان لتقدره على أن يحقق سعادة الدنيا والاخرة.

ومنهج التربوية الإسلامية نوعان:

  1. المنهج المدرسى, الذى يوضع للعملية كلها ابتداء من المبنى المدرسى وما يلحق به من مرافق وما ينبغى أن يكون عليه من قدرة على أداء وظيفته, وانتهاء بكل صغيرة فى المدرسة قد يراها بعض الناس ثانوية وإن كانت فى الواقع ضرورية مثل تنسيق فناء المدرسة وتزيينه وإعطائه مسحة جمالية, لأن كل ذلك يسهم فى أن تكون العملية التعليمية على صورتها الجيدة, وهذه المبانى من صميم المنهج بمعناه العام.

ومحتوى المنهج فى التربية الإسلامية أو المقررات للدراسية لابد أن يتضمن أمورا على جانب كبير من الأهمية فى تربية الإنسان المسلم, وعلى سبيل المثال:

فلابد أن تكون للمنهج علاقة بكل ماهو إنسانى فى الحياة.

ولابد أن يكون له ارتباط بالمجتمع وحاجاته الحالية أو فى المستقبل, وأن تكون له قدره على بث القيمة الأخلافيه الإسلامية وتعديل السلوك لينسجم مع القيم الإسلامية.

ولابد أن تكون المنهج علاقة بعلوم الحياة, يؤديها المعلمون للمتعلمين حسب مستوى أعمارهم, بما بحفظ للطلاب صحة المعرفة والتوازن النفسى والاجتماعى, فتلك أمانة لايجوز التفريط فيها بحال.

ولابد أن يشتمل المنهج على برامج ووسائط لتربية طاقات الإنسان الفطرية فيه, كتربية الروح والخلق والعقل والبدن, وحاجته الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجهادية والجمالية, وأى اخلال بشىء من ذلك هو إخلال بلإنسان.

  • ولابد أن يكون منهج التربية الإسلامية ذا مستويات متدرجة يلبى بها احتياجات المجتمع, حيث يخرج المتعلمين لممارسة الحياة, ويهرج العلماء والباحثين لمواصلة البحث العلمى والإبداع والاكتساف, ويخرج المهنيين فى كل مجال من المجالات تحتاجها الحياة الإنسانية.

ولايمكن لمنهج التربية الإسلامية أن يستوفى كل هذا وغيره مما لم نذكره إلا إذ عكف على إعداده خبراء وعلماء مهمتهم وضع المناهج وفق الأهداف التى تحدثنا عن بعضها – المطلوبة من التربية الإسلامية.

  • منهج غير مدرسى, نستطيع أن نسميه منهج التعليم المستمر وهو المنهج الأصلى الذى تفرع عنه المنهج المدرس, وذلك بسبب أن تعليم الناس وإثرائهم بالعلم والمعرفة طوال حياتهم هو هدف التربية الإسلامية فى كل حين, وهذا يميز للتربية الإسلامية عن غيرها من أنواع التربية التى تجعل المنهج المدرسى هو الأساس.

إن المنهج التربوى المستمر له ميادين يمارس فيها هي :

البيت حيث يعلم الإنسان النشى والكلام والقيم الخلقية والمهارات المناسبة لحياته, والبيت مؤسسة مستمرة.

  • والمسجد, حيث يتعلم الإنسان الاختلاط بالناس والتعامل معهم, ويتعلم النظام والطاعة والنظافة وكل فضيلة يحتاج إليها فى حياته, والمسجد مؤسسة مستمرة يتردد عليها الإنسان طوال حياته ويتعلم منها اليوم ما لم يستطع تعلمه باأمس.

والبيت المسجد يتعاونان فى إعطاء القيم التربوية لإنسان طوال حياته.

إن منهج التربية المستمرة فى الإسلام عريق واكب الخطوات الأولى للدعوة الإسلامية فى حين لم يشعر بها أو بالحاجة إليها العالم إلا أخيرا فى منتصف القرن العشرين على وجه التقريب حيث تنبهت الدول الغربية المتقدمة إلى أن التخرج من المدرسة ما ينبغى أن يكون هو نهاية المطاف فى التعليم, إذ يجب أن يتعلم طوال حياته.

أهداف التربية الإسلامية

إن الإسلام رسالة عظيمة : عناصرها عقيدة وعبادة وتشريع.

فالعقيدة : أصول وفطرة, والعبادة : صلة والتربية, والتشريع : أمن ونظام. وجوهر الرسالة وروحها : خلق وإحسان, وإن شئت فقل الفضليه” (وهذ1 باتفاق علماء التربية)

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *