نماذج ترك التجمع في المسجد وتعطل المساجد بسبب الطاعون أو الوباء والسيل ونحو ذلك

د. أغوس حسن بصري

  • الشام عام 18 هـ

خرج عمرو با العاص وخرج الناس معه وهو أمير الناس تاركين التجمع في المدينة وفي المسجد وتفرقوا عن الطاعون في الجبال والشعب والأودية وبهذا انتهى طاعون عمواس بإذن الله (راوه أحمد)

  • مكة قبل عام 250 هـ

حصلت وقائع عديدة تعطّلت فيها الجماعات بالمساجد بسبب الكوارث الطبيعية حتى شمل ذلك البيت الحرام بمكة، بل إنه كان معروفًا به؛ فقد أفاد الأزرقيّ (ت 250هـ) -في ‘أخبار مكة‘- بأن باب بني شيبة الكبير كان يُسمّى “باب السيل، قال: فكانت السيول ربما دفعت المقام (= مقام إبراهيم) عن موضعه، وربما نحّته إلى وجه الكعبة”.

  • تونس عام 395 هــ

يخبرنا ابن عذاري المراكشي (ت 695هـ) -في ‘البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمغرب‘- أنه وقع في تونس وباءٌ عظيم سنة 395هـ، فتسبب في “شدة عظيمة انكشف فيها الستور…، وغلت الأسعار، وعُدِم القوات…، وهلك فيه أكثر الناس من غني ومحتاج، فلا ترى متصرفا إلا في علاج أو عيادة مريض أو آخذا في جهاز ميت…، وخلت المساجد بمدينة القيروان”.

  • الأندلس عام 448 هــ

فقد ذكر الإمام الذهبيّ -في ‘تاريخ الإسلام‘- أحداث سنة 448هـ فقال: “وفيها كان القحط العظيم بالأندلس والوباء، ومات الخلق بإشبيلية بحيث إن المساجد بقيت مُغلقة ما لها من يصلي بها”. وذكر أيضا -في ‘سير أعلام النبلاء‘- أنه في هذه السنة “كان القحط عظيما.. بالأندلس، وما عُهد قحط ولا وباء مثله بقرطبة، حتى بقيت المساجد مغلقة بلا مُصَلِّ، وسُمي عام الجوع الكبير”.

  • آسيا الوسطى عام 449 هـ

وفي السنة الموالية (سنة 449هـ)؛ يقدم لنا ابن الجوزي تفاصيل فظيعة عن وباء عظيم سريع الانتشار والقتل، تفشى فيما يعرف اليوم بآسيا الوسطى وأفنى فيها نحو مليونين من البشر، ثم انتشر غربا حتى قارب أرض العراق؛ فيقول: “وفي جمادى الآخرة (سنة 449هـ) ورد كتاب من تجار ما وراء النهر [بأنه] قد وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرف زائد عن الحد، حتى إنه خرج من هذا الإقليم في يوم واحد ثمانية عشر ألف جنازة، وأحصي من مات -إلى أن كُتب هذا الكتاب- فكانوا ألف ألف وستمئة ألف وخمسين ألفا”!!

  • مصر عام 749 هــ

وبمصر انتشر الطاعون الكبير الذي وقع سنة 749هـ وعُرف في أوروبا باسم ‘الموت الأسود‘؛ وقد رصد المقريزي (ت 845) -في كتابه ‘السلوك لمعرفة دول الملوك‘- الآثار الاجتماعية لهذا الطاعون؛ فقال: “وبطلت الأفراح والأعراس من بين الناس فلم يُعرف أن أحدًا عمل فرحًا في مدة الوباء، ولا سُمع صوت غناء، وتعطّل الأذان من عدة مواضع، وبقي في الموضع المشهور بأذان واحد”.

وذكر المؤرخ ابن تغري بردي (ت 872هـ) -في كتابه ‘النجوم الزاهرة‘- مثل ما ذكره المقريزيّ وزاد عليه بأنه “غُلقت أكثر المساجد والزوايا”.

  • سوريا عام 749 هــ

في الطاعون الكبير سنة (749 هـ) بدمشق … وخرج الناس إلى الصحراء ومعظمُ أكابرِ البلدِ فدعوا واستغاثوا، فعظُم الطاعونُ بعد ذلك، وكَثُرَ، وكان قبلَ دعائِهم أخفُّ!

  • سوريا عام 764 هـ

وفي المقابل؛ سجلت كتب التاريخ مواجهة الناس للطاعون بترك البيوت والاجتماع في المساجد والتعبّد فيها (الحجر الصحي في المسجد) وترك التجمع في الصحراء.

فقد جاء في مخطوطة كتاب للقاضي المؤرخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي الشافعي (توفي بعد 780هـ) -بعنوان: ‘شفاء القلب المحزون في بيان ما يتعلق بالطاعون‘- أنه حدث طاعون كبير سنة 764هـ، فـ”كان الناس به على خير عظيم من إحياء الليل وصوم النهار، والصدقة والتوبة…، فهجرنا البيوت ولزمنا المساجد رجالنا وأطفالنا ونساؤنا”.

قاضي حلب

قال ابن حجر -في ‘إنباء الغُمر‘- من أن أحد الفقهاء رأى في الحجر المنزليّ -ولو كان بالاحتيال بالتمارض- وسيلةً للنجاة من الطاعون؛ ففي ترجمته للقاضي ابن أبي جرادة الحلبيّ الحنفي (ت 819هـ) أورد عنه خبرًا طريفًا، فقال: “ثم لما وقع الطاعون في هذه السنة ذُعر [القاضي] منه ذعرا شديدا، وصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدوية وأدعية ورُقًى، ثم تمارض لئلا يشاهِد ميتًا ولا يُدعى إلى جنازة لشدة خوفه من الموت، فقدر الله أنه سلِم من الطاعون”!

  • جائحة مكية عام 827 هــ

وقد ذكرت كتب التاريخ الإسلاميّ تعطيل المساجد بسبب الأوبئة مرارًا، ولم يسلم من ذلك مكة المكرّمة نفسها والبيت الحرام؛ فمن ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) -في كتابه ‘إنباء الغُمْر بأبناء العمر‘- ضمن وقائع سنة 827هـ، فقال: “وفي أوائل هذه السنة وقع بمكة وباء عظيم بحيث مات في كل يوم أربعون نفساً، وحصر من مات في ربيع الأول ألفاً وسبعمئة،

ويقال إن إمام المقام (= مقام إبراهيم وكان أتباع المذهب الشافعي يقيمون عنده صلواتهم) لم يصل معه في تلك الأيام إلا اثنان، وبقية الأئمة [من المذاهب الأخرى] بطلوا [الصلاة] لعدم من يصلي معهم”.

  • مصر عام 833 هـ

ووقع هذا في زماننا حين وقع أوَّلُ الطاعونِ بالقاهرة في ٢٧ من شهر ربيع الآخَر سنة (٨٣٣) ، فكان عددُ من يموتُ بها دون الأربعين ،فخرجوا إلى الصحراء في ٤ جمادى الأولى بعد أن نودي فيهم بصيام ثلاثة أيامٍ كما في الاستسقاء ، واجتمعوا ودعوا وأقاموا ساعةً ثم رجعوا ، فما انسلخ الشهر حتى صار عددُ من يموت في كل يومٍ بالقاهرة فوق الألف ثم تزايد

وكان للحافظ ابن حجر ملاحظةٌ ذكيّة حول انتشار الوباء بعد هذه التجمعات؛ فذكر -في ‘إنباء الغمر‘- أن طاعونًا وقع سنة 833هـ، وأن أحد رجال السلطة يُدعى شهاب الدين الشريف “جمع أربعين شريفاً اسم كل منهم محمد وفرّق فيهم مالاً، فقرأ (كذا؟ ولعلها: قرؤوا) بعد صلاة الجمعة بالجامع الأزهر ما تيسر من القرآن، فلما أن قرب العصر قاموا فدعوا وضجوا، وكثُر الناس معهم في ذلك، إلى أن صعد الأربعون إلى السطح فأذّنوا العصر جميعاً وانفضّوا، وكان بعض العجم قال للشريف إن هذا يدفع الطاعون”، ثم علّق ابن حجر بقوله: “ففعل ذلك، فما ازداد الطاعون إلا كثرة”!!

  • سوريا عام 900-ية هـ

ومن القصص الطريفة في تاريخنا بخصوص الحجر المنزليّ واعتزال الناس ولو بمغادرة مدنهم؛ ما ذكره ابن الحنبليّ الحلبي (ت 971هـ) في كتابه ‘درّ الحبب في تاريخ حلب‘ في ترجمة تلميذه شاه محمد الدكني (ت 952هـ)، إذ قال إن والده لما “دخل الطاعون حلب فرّ بمن معه إلى بعض بساتينها، وكان يخاف الموت خوفا شديدا، فقدر الله [له] السلامة” حينها، لكن لم يلبث أن مات الوالد والولد في طاعون آخر!

  • مكة 983 هـــ

وذكر الشيخ محمد الصباغ المالكي المكّي (ت 1321هـ) -في كتابه ‘تحصيل المرام في أخبار البيت الحرام‘- أخبار كثيرٍ من السيول التي اجتاحت البيت الحرام وتسببت في تعطيل الصلوات به، بل تسببت في تهدم الكعبة أحيانًا، غير أن التعطيل لم يكن يطول فكان يحدّه بسبع صلوات أو غير ذلك. ومن ذلك أنه “جاء سيل عظيم سنة ثلاث وثمانين [وتسعمئة]… حتى بلغ المطاف ووصل إلى قفل البيت الشريف، وبقي الماء يومًا وليلة…، وتعطلت [صلاة] الجماعة سبعة أوقات (= صلوات)”.

  • مكة ١٣٦٠ ه / ١٩٤١ م

وقال العلامة محمد المنتصر بالله الكتانيّ (ت 1419هـ) في تفسيره للقرآن (الآية 27 من سورة الحج): “وأذكر منذ بضع سنين أن سيولًا جاءت [الحرم المكي] فارتفع الماء إلى أن وصل إلى أبواب الكعبة، فتوقفت الصلاة في الحرم يومين، وعز على الكثيرين أن يروا الكعبة لا يطوف بها أحد، فنزلوا يطوفون سابحين عائمين وقد أغراهم بعض من أخذ يطوف وهو يحسن السباحة والعوم، فلما نزل بعضهم -ممن لا يعرف السباحة- غرقوا وماتوا، فاضطر المسؤولون أن يمنعوا الطواف لأن الناس تعرضوا للموت”.

معهد الأم الإسلامي مدينة مالانج جاوى الشرقية

9 شعبان 1441 هــ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *