جواز اتباع أحد المذاهب الأربعة بلا عصبية

جواز اتباع أحد المذاهب الأربعة بلا عصبية

أغوس حسن بصري أبو حمزة السنوي

صنف الإمام ابن رجب الحنبلي كتابا في الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة. ومما قال فيه: وأما الأحكام ومسائل الحلال والحرام، فلا ريب أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اختلفوا في كثير من هذه المسائل اختلافا كثيرا، وكان في الأعصار المتقدمة كل من اشتهر بالعلم والدين يفتي بما ظهر له أنه الحق في هذه المسائل، مع أنه لم يخل من كان يشذُّ منهم عن الجمهور عن إنكار العلماء عليه.

وهذا مع أن الناس حينئذ كان الغالب عليهم الدين والورع، فكان ذلك يُريحهم عن أن يتكلم أحدهم بغير علم، أو ينصب نفسه للكلام وليس هولذلك بأهل.

ثم قل الدين والورع، وكثر من يتكلم في الدين بغير علم، ومَن يَنصِبُ نفسه لذلك وليس هو له بأهل. فلو استمر الحال في هذه الأزمان المتأخرة على ما كان عليه في الصدر الأول بحيث إنَّ كلَّ أحدٍ يُفتي بما يدعي أنه يظهر له أنه الحق؛ لاختل به نظام الدين لا محالة، ولصار الحلال حراما والحرام حلالاً، ولقال كل من شاء ما يشاء، ولصار ديننا بسبب ذلك مثل دين أهل الكتابين من قبلنا.

فاقتضت حكمة الله سبحانه أَنْ ضَبَط الدِّين وحفظه، بأن نصب للناس أئمة مجتمعا على علمهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية المقصودة في مرتبة العلم بالأحكام والفتوى، من أهل الرأي والحديث. فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوى عليهم، ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم. وأقام الله مَن يَضبط مذاهبهم ويُحرر قواعدهم، حتى ضبط مذهب كل إمام منهم وأصوله، وقواعده وفصوله؛ حتى تُرَدَّ إلى ذلك الأحكام، ويُضبط الكلام في مسائل الحلال والحرام. وكان ذلك من لطف الله بعباده المؤمنين، ومن جملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين.[1] اهــ

فكان ﺍﻟﺘﻤﺬﻫﺐ ﻣﻨﺘﺸﺮﺍ ﻭﺷﺎﺋﻌﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺍلهجري، ﻓﻼ يخلو ﺃﻧﺎﺱ ﺇﻻ ﻗﺪ تمذﻫﺐ ﺑﻮﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍلمذﺍﻫﺐ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ، ﻓﺒﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ حدث التعصب المذهبي المقيت.

  1. قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي: “وهذه المذاهب أثارت الفتن والبغضاء بين المسلمين إذا قرأت في (البداية والنّهاية) تجد الخصومات بين الحنابلة والشّافعيّة، بين الحنابلة والحنفيّة ، بين الشّافعيّة والحنفيّة إلى غير ذلكم من الخصومات، والقتل والقتال الذي حصل بسبب التّمذهب …”[2]

قال الشيخ مقبل الوادعي: وهذه المذاهب أوردت العداوة بين المجتمع كما يقول الزمخشري (467- 538 هـ / 1074- 1143 م):

وإن يسألوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه؛ كتمانه لي أسلم

فإن حنفيا قلت: قالوا: بأنني أبيح الطلا وهو الشراب المحرم

وإن مالكيا قلت: قالوا: بأنني أبيح لهم لحم الكلاب وهم هم

وإن شافعيا قلت: قالوا: بأنني أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن حنبليا قلت: قالوا: بأنني ثقيل حلولي بغيض مجسم

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه، يقولون: تيس ليس يدري ويفهم

تعجبت من هذا الزمان وأهله

فما أحد من ألسن الناس يسلم

واقرأ «السيرة» لابن كثير تجد خصاما بين الحنابلة والحنفية وبين الشافعية والمالكية ورب شخص يطرد من بلده لأنه أبى أن يتمسك إلا بالدليل.

  1. حتى منع أحد المتعصبين لمذهبه (زواج من مذهبه المذهب الشافعي من الحنفية والعكس إلا أن أحدهم أجاز زواج الحنفي من الشافعية (لماذا) تنزيل لها منزلة أهل الكتاب!) والله المستعان.[3]

قال الشيخ سيد سابق: “وبالعكوف على التقليد، وفقد الهداية بالكتاب والسنة، والقول بانسداد باب الاجتهاد وقعت الأمة في شر وبلاء ودخلت في جحر الضب الذي حذرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان من آثار ذلك أن اختلف الأمة شيعا وأحزابا، حتى إنهم اختلفوا في حكم تزوج الحنفية بالشافعي، فقال بعضهم: لا يصح، لانها تشك في إيمانها[4]، وقال آخرون، يصح قياسا على الذمية.”[5]

  1. حتى «انتهى بأحدهم أن يقول- وهو الشيخ الصّاوي (أحمد الصاوي المالكي الخلوتي (1761-1825) واحد من أبرز علماء الأزهر)في حاشيته على تفسير الجلالين -ذكر عند تفسير قول الله عزّ وجلّ ” وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً*إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ” [الكهف:23-24] بعد أن ذكر قول ابن عبّاس أنّه يجوز الإستثناء ، ولو إلى سنة قال : ولا يجوز يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة ولو إلى ظاهر آية أو حديث والأخذ بظاهر القرآن أو الحديث أصل من أصول الكفر» .
  2. حتى قال عبد الله بن محمد بن اسماعيل الهروي :

أنا حنبليّ ما حييت وإن أمت ****فوصّتي للنّاس أن يتحنبلوا

وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي إذ يقول :

ومن شعب الإيمان حب ابن شافع **وفرض أكيد حبه لا تطوع

أنا شافعي ما حييت وإن أمت * فتوصيتي للناس أن يتشفعوا

نحن نقول إنّ أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى والإمام الشافعي والإمام مالك وغيره من ألأئمة هم أئمّة يقتدى بهم ، وخصوصا الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك جزاهم الله عن الإسلام خيرا ، ولا نستغني عن كتبهم لكن ما نقلّد تقليدا أعمى .

  1. وحتى في القرن السادس الهجري تقريبا بسبب التعصب المذهبي ، بني في المسجد الحرام لكل مذهب مقام ، يصلي أهل كل مذهب في مقامهم ، فمقام للحنفية مقابل الميزاب ، ومقام للمالكية قبالة الركن اليماني ، ومقام للشافعية خلف مقام إبراهيم عليه السلام ، ومقام للحنابلة ما بين الحجر الأسود والركن اليماني .

وتكون صلاتهم مرتبة ، فيقيم ويصلي أهل المذهب الشافعي ، وحين يفرغون من الصلاة يقيم ويصلي الأحناف ، ثم المالكية ثم الحنابلة ، إلا في صلاة المغرب ، فإنهم يصلون في وقت واحد ، كل مذهب بإمامهم فتتداخل الأصوات ويحدث من السهو واللغط شيء كثير .

وممن تكلم عن هذه الظاهرة المبتدعة ابن جبير رحمه الله في رحلته للحج عام 579هـ ، قال :

” وللحرم أربعة أئمة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية … فأوّل الأئمة السنية الشافعي ، وإنما قدّمنا ذكره لأنه المقدّم من الإمام العبّاسي ، وهو أول من يصلي ، وصلاته خلف مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا الكريم ، إلا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمة يصلونها في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها : يبدأ مؤذن الشافعيّ بالإقامة ، ثم يقيم مؤذّنو سائر الأئمة. وربما دخل في هذه الصلاة على المصلين سهو وغفلة لاجتماع التكبير فيها من كل جهة . فربما ركع المالكيّ بركوع الشافعي أو الحنفيّ ، أو سلّم أحدهم بغير سلام إمامه . فترى كل أذن مصيخة لصوت إمامها أو صوت مؤذنه مخافة السهو ، ومع هذا فيحدث السهو على كثير من الناس ” انتهى من ” رحلة ابن جبير ” ص (70) .

وقد بقيت هذه البدعة زمنا طويلا حتى قامت الدولة السعودية الأولى ، ثم عادت بعد زوال الدولة السعودية الأولى ، واستمرت إلى أن جاء الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله ، فندب العلماء للنظر في مقامات المسجد وانقسام جماعته لجماعات متفرقة ، وكان ذلك من ابتداء توليه على الحجاز عام 1343هـ (1924م) ، ثم أصدر أمره بإبطال هذه البدعة وتوحيد الجماعة خلف إمام واحد لجميع الصلوات ، ينظر ” تاريخ عمارة المسجد الحرام ” (ص:233) .[6]

لكل مذهب محراب وجماعة وأذان وإمام.. الحرم المكي قبل 1925م

  1. حتى أن بعض اليابانيين أرادوا أن يدخلوا في الإسلام ، فوقف في طريق الدخول أن بعضهم اقترحوا على هؤلاء المريدين الاهتداءَ للإسلام أن يكون شافعيًّا ، وبعضهم اقترح أن يكون حنفيًّا ؛ فكان هذا سببًا مانعًا لأن يدخلوا في الإسلام ( فكتب المعصومي (محمد سلطان المعصومي الخجندي المكي الحنفي) رسالة ” هل المسلم ملزم باتباع مذهب معيَّن من المذاهب الأربعة ؟ ” .

ذكر هذا الشيخ محمد ناصر الالباني في مقالته: «مناقشة مضمون رسالة : ” اللامذهبية أخطر بدعة في الشريعة الإسلامية للبوطي ” ، مع رسالة المعصومي ” هل المسلم ملزم باتباع مذهب معيَّن من المذاهب الأربعة ؟ ” . (مناقشة مع رمضان البوطي) (المفروض: بدعة عصبية المذهب/تعصب مذهبي)[7]

سبب تأليف هذه الرسالة ما ذكره المؤلف في مقدّمتها قائلاً: إنه كان ورد علي ّ سؤال من مسلمي اليابان من بلدة طوكيو وأوزاكا في الشرق الأقصى؛ حاصله: ما حقيقة دين الإسلام؟ ثم ما معنى المذهب؟ وهل يلزم على من تشرف بدين الإسلام أن يتمذهب على أحد المذاهب الأربعة؟ أي أن يكون مالكيا أو حنفياً أو شافعياً أو حنبلياً أو غيرها أو لا يلزم؟ لأنه قد وقع اختلاف عظيم ونزاع وخيم حينما أراد عدة أنفار من متنوّري الأفكار من رجال اليابان أن يدخلوا في دين الإسلام ويتشرفوا بشرف الإيمان فعرضوا ذلك على جمعية المسلمين الكائنة في طوكيو فقال جمع من أهل الهند: ينبغي أن يختاروا مذهب الإمام أبي حنيفة لأنه سراج الأمة، وقال جمع من أهل أندونيسيا: يلزم ان يكون شافعياً.

فلما سمع اليابانيون كلامهم تعجبوا وتحيروا فيما قصدوا وصارت مسألة المذاهب سداً في سبيل إسلامهم، كانت الرسالة هي الجواب.

أبو عبدالكريم وأبو عبدالرحمن محمد سلطان المعصومي الخجندي فقيه وعالم وقاض وداعية، وكان سلفي العقيدة، ورحالة من بلاد ما وراء النهر، ولد سنة 1297هـ/ 1880م.

خجندة أو خجند أو لينين أباد سابقا (بروسيا)، وهي عاصمة ولاية صغد الطاجيكية.

ويقول المعصومي عن أحوالهم في تلك المرحلة: “كنا نعتقد أن المسلم هو الذي تمذهب بمذهب الحنفية، وأما أهل سائر المذاهب فمخطئون خارجون عن الحق … ومن نتائجه أنا كنا نعتبر غير الحنفي ليس بمسلم، ولا يجوز العمل بغير مذهب أبي حنيفة”!!

ألف المعصومي -في تلك المرحلة- بعض الكتب وكان يعرّف نفسه فيكتب: “محمد سلطان بن عبد الله الخجندي الماتريدي الحنفي النقشبندي”.

محمد سلطان المعصومي الخجندي ثم المكي (١٢٩٧- ١٣٨٠) عالمٌ ناصحٌ، ومهاجرٌ صادقٌ، هرب من الشيوعيين والملاحدة في بلده الأصل لما أرادوا قتله لدينه ثم هاجر لمكة.

ثم بعد مكة والمدينة سافر إلى دمشق في 1325 هـ، ثم لما ذهب إلى مصر قابل المصلح الشهير العلامة محمد رشيد رضا وطالع مجلته “المنار” ثم اقتنى كافة أعدادها

ثم إلى اسطنبول ثم عاد إلى بلدهزعين مفتيا سنة 1328هـ

حدث الثورة الشيوعية الروسية/الانقلاب العظيم في الممالك الروسية بشؤم الحرب العالمية العمومية سنة 1917م وخلعوا القيصر وقتلوه.

وحدث الغزو الشيوعي البلشفي لبلده سنة 1342هـ/ 1923م.

فتوجه إلى مرغينان -وهي بلدة تقع في جمهورية أوزبكستان-، وكان ذلك سنة 1344هـ / 1925م

في بلاد التركستان في سنة 1927م أعلنت جريدة الشورى السوفيتية الصادرة من طاشقند أنه سيعقد مجلس لأجل المناظرة في إثبات وجود الله فكل من يريد الاشتراك فيه فليحضر المجلس في الوقت الفلاني. ذهب إلى طاشقند وحضر من المسلمين والنصارى والشيوعيين الدهريين وغيرهم، أكثر من عشرة آلاف نسمة.

فقام زعيم الدهريين وهو ملحد تتاري يدعى (منصوروف) وخطب وتكلم وهذى كما يهذي هوبز أستاذ كارل ماركس إلى أن قال: إن الناس الدينيين يقولون: إن الله موجود، وهو الذي أوجد العالم وخلقه ويربيه وقولهم هذا (فنتيكيه) أي خرافة وخيال …

فقال الشيخ المعصومي: فقمت من مقامي وصعدت المنبر وحمدت الله تعالى وصليت على رسوله … فبُهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين، ثم إن المسلمين كبروا الله وسبّحوه وسروا واستبشروا، وأما المنكرون الظالمون فخجلوا وخابوا، وقالوا نخبر أستاذنا في موسكو”.

وبعد انتصاره في المناظرة وفضحه شبهاتهم وإلحادهم وكعادة أهل الباطل حين يعجزون عن نصرة باطلهم ورد حجة الحق، هاجموا بيته في ميرغان وحبسوه، وهذه ثالث مرة يتعرض فيها للحبس من قبل الشيوعيين

ثم هاجر إلى الصين وسكن بلدة تسمى (غولجة) شهر ديسمبر 1928م ثم واجه الشيوعيين.

وفي الدستور السوفيتي الذي صدر سنة 1932م يجب القضاء على الأديان كلها، ويجب القضاء على فكرة الإله التي هي من بقايا القرون الوسطى المظلمة.

وفي القوانين التي صدرت سنة 1939 منع الاجتماعات الدينية ومنع الهيئات الدينية والاحتفاظ بأي نوع من الكتب الدينية.

المد الشيوعي في روسيا والصين كان في تصاعد، وكان الشيخ على رأس قائمة الاستهداف علماء المسلمين وخاصة من تصدى لرفض الشيوعية.

هذا النهج المستمر لليوم في عام ( 1444هـ= 2023م ) كما تتسرب الأخبار كل فترة من مناطق المسلمين في الصين من قتل العلماء وقهر النساء والأطفال والمستضعفين، وإجبارهم على ترك الصلاة والصيام والحجاب، والزواج بغير المسلمين، وأكل الخنزير، وشرب الخمر.

لما شعر المعصومي بأنه قد يقع في يد الشيوعيين اضطر مرة ثانية للهجرة،ولكن الآن إلى مكة المكرمة والإقامة فيها، في أوائل ذي القعدة من سنة 1352هـ، فخرج هاربا مرة أخرى وترك خلفه في غولجة زوجة وولدين وبنتًا، وكانت رحلة صعبة قام فيها بتغيير اسمه والسفر على ظهر حصان عبر الجبال المكسوة بالثلوج في رحلة صعبة مر فيها بأهوال عظام في عدد من البلاد.

ولما مر على الهند في هذه السفرة ألف فيها بعض الرسائل، ففي دلهي كتب رسالة بالفارسية في التحذير من الشيوعية وكتب في بومباي رسالة في الرد على أحد المبتدعة

المعصومي استمر في دعوته “وبالجملة لم آلُ أن ناظرت المبتدعين ورددت عليهم وحررت وقررت وأفدت واستفدت إلى أن أوصلني الله تعالى إلى حرمه الشريف، وذلك في مستهل شهر ذي القعدة سنة 1353هـ/1934م، فالحمد لله على ذلك”.

وحين جاء إلى مكة التقى بجمع من أعيانها وعلمائها منهم الملك عبد العزيز ونائبه الأمير فيصل، وأصبح له مكانة عند الملك عبد العزيز، وقابل الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ رئيس القضاء والشيخ محمد نصيف، وجيه الحجاز المعروف، وإمام الحرم المكي الشيخ أبو السمح، والشيخ محمد عبدالرزاق حمزة وغيرهم، يقول: “وشغلتُ نفسي بالمطالعة والتحرير والتدريس كما كان شأني في خجنده وبلاد فرغانة والممالك الصينية، وإن كنت الآن قليل البضاعة وليس لدي من الكتب ما يكفيني”.

وفي تلك الفترة ألّف ثلاثة كتب عن وقائع وحوادث الشيوعية في روسيا وتركستان الغربية والشرقية، وللأسف لا يعرف مصير هذه الكتب.

فأخذ المعصومي يدرّس في الحرم المكي وفي دار الحديث المكية الخيرية، ودرّس أيضا مدة ستة أشهر في المسجد النبوي ودار الحديث المدنية، ومسجد ابن عباس بالطائف في فصل الصيف.

وكان يدرّس في أشهر الحج بالبيت العتيق بعدة لغات حيث كان يتقن العربية والفارسية والأردية والبخارية والتركية، وكان يتواصل مع أبيه وذويه عن طريق الحجاج والمعتمرين الأتراك من بلاده.

وكانت له دروس في الإذاعة السعودية، وكتب مقالات كثيرة في الصحف والمجلات، وألّف العديد من الكتب بعدة لغات.

ومن فضل الله عليه أن أوفده الملك عبد العزيز مندوبا عنه للمؤتمر الإسلامي بكراتشي بباكستان سنتي 1368 و1370هـ.

العلامة المجاهد المهاجر أبو عبدالكريم وأبو عبدالرحمن محمد سلطان المعصومي الخجندي ثم المكي الحنفي (١٢٩٧- ١٣٨٠) في مؤتمر كراتشي عام 1951 م

ثناء العلماء علي الشيخ المعصومي:

وأثنى عليه الكثير من العلماء بالفضل والعلم والاستقامة،

كالشيخ المحدث أحمد شاكر

والعلامة عبد الرزاق حمزة

وإمام الحرم محمد عبد الظاهر أبو السمح،

والعلامة الألباني، وقد أهدى المعصومي بعض كتبه للشيخ الألباني مناولةً بشكل مباشر وكتب له عليها إهداء.

مؤلفاته:
له مؤلفات كثيرة بعدة لغات وبعضها ترجم إلى عدة لغات، بلغ مجموعها 94 كتابًا كما سردها ولده عبد الرحمن، ولكن ما وجد الباحثون مطبوعًا إلا 17 مؤلفا من أهمها:

1 هدية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان.

2 حبل الشرع المتين وعروة الدين المبين.

3 تمييز المحظوظين عن المحرومين في تجريد الدين وتوحيد المرسلين.

4 إجابة السلطان في ترجمة معنى الفاتحة أم القرآن.

5 تحفة الأبرار في بيان فضائل سيد الاستغفار.

6 أجوبة المسائل الثمان في السنة والبدعة والكفر والإيمان.

7 المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية.

وفاته:

وكان في آخر سنوات عمره قد مرض بعدة أمراض وأجريت له عدة عمليات جراحية،

توفي في مكة سنة 1381هـ/ 1960م، عن عمر ناهز الثمانين عاما، تسجل له في صحائف أعماله الصالحة بإذن الله.

قالت ابنته عائشة في مذكراتها: “وحضر جنازتَه كثير من أهل العلم والفضل وأعيان مكة يؤمّهم الشيخ عبد المهيمن أبو السمح إمام وخطيب المسجد الحرام، بعد صلاة الفجر من اليوم الثاني من وفاته، ودفن بمقبرة المعلا، رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته”.[8]

التعصب المذهبي:

التعصب المذهبي ليس منهيا على العوام من الناس فحسب، بل هو منهي على جميع الطبقات العلمية أيا كان، لأنه رفض للحق عند ظهور دليله، وهذا يضر على جميع الناس علمائهم وعوامهم، فيقع الفوضى فيما بينهم.

لهذا نبه العلماء على أهمية الرجوع إلى الأمر الأول عند الخلاف، وأهمية نبذ التعصب. فقد ترجمت إلى اللغة الإندونيسية كتاب مختصرالمؤمل في الرد إلى الأمرالأول للمجد في القرن السابع الإمام عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي أبي شامة الشافعي (665هــ) (تحقيق : صالح الدين مقبول أحمد) بتعليقات شيخي د. أكرم بن محمد زيادة الفلوجي حفظه الله.

قال الإمام أبو شامة الشافعي: ” ولهذا قال أحمد بن حنبل: مَا مِنْ أَحَدٍ وَضَعَ الْكِتَابَ حَتىَّ ظَهَرَ خَطَأُهُ أَتْبَعَ لِلسُّنَّةِ مِنَ الشَّافِعِيّ”[9]

لذلك قال بعض العلماء معترفا بفضل الشافعي رحمه الله: لَوْلَا الشَّافِعِيُّ لَغَيَّرَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.[10]

وحتى أمْلتْ العصبية الحديث التالي: وقيل لمأمون بن أحمد الهروي : ألا ترى إلى الشافعي ، ومن تبعه بخراسان ، فقال : حدثنا أحمد بن عبد البر ، حدثنا عبد الله بن معدان الأزدي ، عن أنس ، مرفوعا : ” يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس ، أضر على أمتي من إبليس ، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة ، هو سراج أمتي ” [11]. قالوا: وفي إسناده وضاعان أحدهما مأمون بن أحمد السلمي والآخر أحمد بن عبد الله الخونباري[12].

مالاج، 30-أغسطس-2024م.

  1. د. حسن معلم داود حاج محمد، مقدمات فقهيات، ص 22-23.
  2. الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، هل المسلم ملزم بإتباع مذهب معين نرجو التوضيح مع الدليل ؟

    https://www.facebook.com/story.php/?story_fbid=579693092040721&id=220467541296613

  3. أبو البراء القصيمي، أعجب فتوى قرأتها في حياتي!،

    https://al-maktaba.org/book/31621/48033

  4. لان الشافعية يجوزون أن يقول المسلم: أنا مؤمن إن شاء الله.
  5. سيد سابق، فقه السنة، : الجزء : 1 صفحة :14.
  6. محمد صالح المنجد، لماذا كان في الحرم المكي لكل مذهب إمام يصلي بأهل مذهبه ؟

    https://islamqa.info/ar/answers/245983/ لماذا-كان-في-الحرم-المكي-لكل-مذهب-امام-يصلي-باهل-مذهبه

  7. بوابة تراث الإمام الألباني- صوتيات وتفريغات الإمام الألباني ، مناقشة مضمون رسالة : ” اللامذهبية أخطر بدعة في الشريعة الإسلامية،

    https://www.al-albany.com/audios/content/142535 مناقشة-مضمون-رسالة -quot اللامذهبية-أخطر-بدعة-في-الشريعة-الإسلامية -quot

  8. أسامة شحادة، العلامة الرحالة المجاهد بلسانه وقلمه محمد سلطان المعصومي 1297هـ/ 1880م – 1380هـ/ 1960م، https://salafcenter.org/8186/
  9. أبو شامة، مختصر المؤمل، فقرة رقم 95.

    https://www.al-edu.com/wp-content/uploads/2014/01/ مختصر-المؤمل-أبو-شامة-.pdf

  10. المصدر السابق، فقرة رقم 174.
  11. جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تدريب الراوي، ص 328.
  12. https://al-maktaba.org/book/31621/48033

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *